تابعت كملايين البشر “تحدي السنوات العشر” الذي تم تداوله على شبكة التواصل الاجتماعي الشهيرة “فيسبوك”، صورتك اليوم، وصورتك قبل “عشر سنوات”، لا بأس بالفكرة إذا أخذناها كنوع من التسلية، واستبعدنا نظرية “المؤامرة الفيسبوكية الخبيثة” التي اُتهمت بها شبكة التواصل الأشهر عالمياً من قِبل بعض الخبراء التقنيين الذي رأوا أن “فيسبوك” تحاول توسيع قاعدة بياناتها عن المستخدمين، مما دفع الشركة للرد وإنكار ذلك، والتأكيد على أن الأمر مجرد مبادرة أطقلها المستخدمون.
بعيداً عن تحدي السنوات العشر من خلال نشر الصور، يستحق هذا التحدي الوقوف عنده لكن من زاوية أخرى، خاصة في مجتمعنا العربي الذي صار الفيسبوك جزءاً رئيساً من حياته، وتحول لدى ملايين الأشخاص إلى حياة واقعية وليست مجرد عالم افتراضي، إذا راجعنا سنواتنا العشر الأخيرة، وما الذي طرأ من تغييرات فيها، حتماً سيُصاب أغلبنا بخيبة أمل، أين وماذا كنا قبل عشر سنوات، وأين صرنا اليوم بعد كل هذا الزمن؟
سؤالان مهمان، ينبغي التوقف عندهما طويلاً وإجراء مراجعة متأنية على مختلف الصعد، ليسأل كل شخص نفسه ماذا أنجزت خلال عشر سنوات، وماذا خسرت؟ حتماً إن قلة قليلة هي التي ستكون راضية عما أنجزته، والأغلبية الساحقة هي التي خسرت، وخسرت الكثير أيضاً، فمن يظن أنه لم يخسر شيئاً ولم يكسب شيئاً ويشعر بشيء من الرضا، عليه أن يتذكر أنه خسر الزمن، وهذا ما لا يمكن تعويضه أبداً.
على الصعيد العام، فُجع عالمنا العربي خلال السنوات العشر الأخيرة وأضاع بوصلته، بينما اعتقد الملايين من أفراده أنهم يطرقون أبواب المجد وسيدخلون إلى التاريخ من أوسع أبوابه، فكانت الحصيلة ملايين الضحايا، وملايين اللاجئين الذين توزعوا بين مخيمات الشتات ودول اللجوء، وملايين العاطلين عن العمل والأميين والفقراء والمصابين والمعاقين، يُضاف إليهم من فقدوا أرزاقهم وممتلكاتهم وحُرموا من أبسط حقوقهم في الحياة، ويعزون أنفسهم بالقول: “من يرى مصيبة غيره، تهون عليه مصيبته”.
وعلى الصعيد الخاص، فقد كل شخص منّا الشعور بالأمان، وهذا ما أعاده إلى طبيعته البدائية المتوحشة، وكذلك فقدنا القدرة على الحلم، إذ تحولت أحلامنا إلى كوابيس مزمنة تؤرقنا، كذلك فقدنا إنسانيتنا، وهذا ما لا يمكن تعويضه بمرور الزمن، فعودة الإنسان إلى مرحلة التوحش البدائية نتيجة الظروف التي مر بها، تجعله عاجزاً عن استعادة إنسانيته حتى وإن عادت الظروف المحيطة به إلى سابق عهدها، هذا بعض الفقد ولكنه الجوهر، لأننا بفقدنا إنسانيتنا وهي أهم سمة تميزنا عن بقية الكائنات الحية على هذا الكوكب، وجدنا أنفسنا على استعداد تام لفعل أي شيء كنا من المستحيل أن نفكر بفعله في ظروفنا الطبيعية، نتيجة وجود الوازع الذي يردعنا عن ارتكاب أي فعل يساهم في أذية المحيطين بنا.
كانت السنوات العشر الأخيرة امتحاناً صعباً للإنسان العربي، ولن أجامل وأزين النتيجة التي إن تجاهلنا كل نتائجها السلبية، وأردنا اعتبارها نتيجة جيدة كما يتصور البعض، لا يمكننا تجاهل أنها فرقتنا، وقطعت جميع الأواصر بيننا حتى على صعيد التواصل الإنساني، وهذا ليس بقليل، ومن لم يشعر به حتى الآن رغم كل تجاربنا المريرة، حتماً سيشعر بآثاره مستقبلاً، ومهما ظل مكابراً على نفسه ورفض الاعتراف بسلبية النتيجة أمام الآخرين، سيشعر به في لحظة يخلو بها إلى نفسه.
إنجازنا الأبرز خلال السنوات العشر هو تحول بلداننا إلى غابات جرداء، لا يوجد فيها سوى الوحوش التي كشرت أنيابها وراحت تنهش ببعضها، القوي فيها يأكل الضعيف، وقد كنا شركاء في ذلك عندما فتحنا النيران على بعضنا، حقيقة في عالم الواقع، ومجازاً من خلال الردح على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن الجيد أن رصاص الفيسبوك والتويتر “خلبي” وإلا كنا أفنينا بعضنا عن بكرة أبينا.
مجلة قلم رصاص الثقافية