كيف تقتل أَمَلاً ببضع خطوات؟!
لم يعد مهماً أن تتعلم أي لغة أجنبية في خمسة أيام، ولا أن تتعمق في تصليح هاتفك الذكي بأسبوع، ولا حتى أن تتغلب على سوداويَّتك وتشاؤمك بسبع خطوات، ففي ظل هزائمك الشخصية المتكررة كمواطن سوري يعيش في الحدِّ الأدنى من كل شيء، أو لنقل في الحد الأدنى من انعدام كل شيء، لم تعد اللغات مهمة بشيء، طالما أنك لا تملك الوقت لتتواصل مع الآخرين، ليس لأنهم «الجحيم» بحسب سارتر، بل لأنك غير قادر على التواصل مع نفسك أساساً، فالخراب ينخر كل ما حولك، من السياسة التي ما عدت تفهم شيئاً فيها، رغم جميع دورات الإعداد الحزبي التي خضعت لها، ورغم معرفتك بنظرياتها من أيام أفلاطون ومدينته الفاضلة وحتى الآن، مروراً بالمجتمع الذي رسبت ضمنه في امتحان العيش المشترك رغم قراءاتك المديدة في أفكار “ابن خلدون”، وكل العقود الاجتماعية لـ”جان جاك روسو”، و”جان لوك” و”توماس هوبز”، وليس انتهاءً بالاقتصاد الذي فشلت فيه بشهادة زوجتك، رغم اطلاعك على نظريات “آدم سميث” و”ماركس” ومتابعتك الحثيثة لجميع تقارير وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ونشرات أسعارها الملوّنة بأخضر الخس وأحمر البندورة.
كما أنك لم تستطع أن تتغلب على ذكاء التقنية التي تأسرك وتُوْقِعُكَ في شَرْكِها ليل نهار، لأنه حُكِمَ عليك بالسَّجن داخل أنظمتها، وأنت رضخت بكامل إرادتك، واستلذذت بذاك الأسر وداريت خيبتك بأن «حرية افتراضية أفضل بألف مرة من عبودية واقعية»، أما السوداوية فباتت ديدن وجودك البخس في هذه الحياة، لاسيما أنك بت على يقين تام بأن كل شيء حولك يرتفع سعره بانتفاضات الدولار المستمرة، إلا أنت، وكأنَّك صرت قرين الليرة السورية لا قيمة لك، ناسفاً كل آرائك عن تفرد الإنسان في وجوديته المحضة، أضف أن إيمانك بالعدالة الجمالية اختلّ بشكل مُفرِط، وإصرارك على الأمل لم يبقَ منه ولا «أُصرورة»، بعدما انهار بكُلِّيته مع أول «كفّ» تلقَّفه كيانُك عندما مددت يدك إلى جيبك ولم تجد ثمن دواء والدتك المريضة، مع أن كانون الثاني لم ينتصف بعد، ولمن ما زال يُلِح على «لولا فسحة الأمل»، أقول له: «لقد وضع أحد المستثمرين الواصلين يده عليها»، وبتنا بحاجة إلى فسحة جديدة لا نعلم إن كانت ستشملها الـ«طخفيضاط» التي ألمَّت بلغتنا العربية، فنحن في آخر الشهر، وإلا سنضطر لتدبير حالنا بفسحة من «البالة».