صديقتى الصغيرة تهوى القصص وتكتبها، مرة كتبت قصة عن أمها، أُعجب النقاد بها كثيراً، وأدخلت السعادة فى قلوب قرائها، وحسدها على ما نالت أصدقاؤها الأدباء.. لكن هذا آلمها كثيراً فى الحقيقة، فهي تعلم أن أمها حزينة جداً، متألمة جداً، كسيرة القلب منذ زمن.. فقد زوجوها ولم تغادرها الطفولة بعد، فحزنت لتركها عروستها وحيدة فى بيت أمها..
وحكت لصديقتى الصغيرة أنها حتى الآن مازالت تحلم بنظرات الحزن في عيني عروستها وهي تهم بالمغادرة تاركة لها سريرها بارداً بلا صديق، وأنها قضت أيامها الأولى في بيت عُرسها تبكي هذا الفراق الذي تكرر كثيراً فى حياتها فيما بعد، فقد حملت فى عشرة من البنين والبنات دفنتهم جميعهم فى أعمار مختلفة، لم يبق لها منهم إلا صديقتي الصغيرة، لذلك كانت تخشى عليها برد الشتاء وحر الصيف، لكنها لم تستطع أن تقنع صديقتي الصغيرة بأن تظل عمرها تحت المظلة..
فصديقتي بطبعها متمردة، عكس أمها التى نجح الزمان بقسوته فى ترويضها لتبقى عمرها حبيسة الدار، لذلك فأم صديقتي عكس كل الأمهات -التى لا تملك من حطام الدنيا سوى طفلة وحيدة – لا تدللها كثيراً، تعاتبها وتلومها كثيراً.. عن حبٍ نعم، لكن ذلك ترك فى قلب صديقتى الصغيرة ندبة تنز منها الدماء كلما سمعت كلمات أمها أو لمحت حزنها.. لذلك لا تجد فى نهاية يومها إلا كلمة واحدة تقولها دائما لأمها حينما يفترقان للذهاب إلى السرير.. “تصبحين على حلم يا أمي”.. لعلها تهرب خلاله من حزنها.. وهي لا تدرك أن هذا يزيد من عذاب الأم، فحزن عروستها يطرد من أحلامها السعادة دائماً..