قصة قصيرة جداً..
في حارتنا الشعبية وهي عبارة عن كتلة غير متجانسة من العشوائيات العامودية التي تحولت إلى شبه ناطحات سحاب مع بدء الحرب وفوضى المخالفات، والمتراكبة فوق أرض أفقية حيث لا يفصل بين البناء والآخر أكثر من أربعة أمتار، يدفع بائع الخضار مازن كرسياً متحركاً تجلس فيه زوجته وقد تقلص حجمها إلى النصف، أنها نزهة المساء العائلية، مازن يرتدي ثيابه التي أراه فيها كل يوم، بنطال الجينز المهترئ والكنزة المخططة أما هي فترتدي بيجامة رياضة صفراء وعلى رأسها قمطة وردية بينما يسير ابنهما البالغ من العمر أربع سنوات قرب الكرسي المتحرك متمسكاً بمسند اليد يكلم أمه.
كلاهما يأكلان البوظة، أقصد الأم والصبي، بينما يدفع مازن بصعوبة الكرسي بكامل جسده النحيل محاولاً تجنب الحفر العميقة في الأسفلت.
من الخلف يبدون كعائلة سعيدة، مكونة من ثلاث أفراد لكن إلى حين، فمع بداية العام المقبل كأبعد تقدير سيصبحان عائلة مكونة من فردين فقط.
كان لدى مازن منذ عامين أو أكثر دكان صغيرة يبيع فيها الخضراوات، لكنه لم يعد قادراً على دفع أجار الدكان، فنقل صناديق خضاره وفاكهته إلى الرصيف قربه، أما دكانه فتحولت ليباع فيها اللانجري الصيني الرخيص وبعض البيجامات الوطنية الصنع.
أذكر زوجته طويلة وممتلئة على عكسه، ذات خدين متوردين وطفل صغير على حضنها، أصبح عمره الآن أربعة أعوام.
هي مصابة بالسرطان، أجرت عملية وتلقت العلاج لكن يبدو أن مرضها قد عاد ليغزو جسدها بقوة أكبر، بينما يكافح مازن منذ الصباح على الرصيف بائعاً لخضاره وفاكهته، عله يستطيع أن يمدد مدة أقامتها بينهم ليصحبها مع ابنهما في هذه النزهة المسائية المسروقة من الزمن.
فيلتصقون بالذاكرة.. كأسرة صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد سعداء.
ملاحظة: مرّ عام كامل.. فأصبحا اثنين.