صدر عن منشورات المتوسط – إيطاليا، كتاب جديد للباحث والكاتب الفلسطيني السوري تيسير خلف، حمل عنوان: “وقائع مسرح أبي خليل القباني في دمشق” وهو الكتاب الذي يكشف عن حقائق ووثائق تُنشر للمرة الأولى، ليُغطِّي الفترة بين 1873 – 1883لتاريخ واحدٍ من أهمِّ رواد المسرح العربي. كتابٌ وصفه الدكتور سيّد عليّ إسماعيل، أستاذ المسرح العربي بكُلّيّة الآداب جامعة حلوان ومؤلف كتاب “جهود القبّاني المسرحية في مصر”؛ وصفهُ بـ الكتاب الفريد المُعجز والمفيد، موضِّحاً: أن المؤلّف تيسير خلف، استطاع أن يصل إلى مصادر ومراجع مهمّة جدَّاً – لم يصل إليها غيره حتّى الآن – منذ أكثر من 150 سنة. وأغلبها مصادر ومراجع حَيّة، تتمثّل في وثائق مجهولة، وأخبار صحفية معاصرة للأحداث، ومذكّرات ويوميّات لرحّالة ومستشرقين، لم يستخدمها أيّ باحث – حتّى الآن – تحدّث عن نشاط القبّاني المسرحي داخل سورية. وهذا الكنز الكبير، الذي سعى المؤلّف إلى اكتشافه، واستخدامه بصورة علمية دقيقة، ستجعل من هذا الكتاب مرجعاً عربياً وعالمياً في مجال تاريخ مسرح القبّاني في سورية، بل وستجعله المرجع الأوحد الصحيح والدقيق لمَنْ يريد أن يقرأ عن نشاط القبّاني المسرحي في سورية.. فهذا الكتاب سيُنحّي جانباً كل ما كُتب من قبل عن نشاط القبّاني المسرحي في سورية قبل قدومه إلى مصر.
ويختم سيّد عليّ إسماعيل كلمته بالتأكيد على أنَّ هذا الكتاب سيحتلّ المرتبة الأولى في قائمة المصادر والمراجع في مجال الكتابات القادمة عن حياة القبّاني ومسرحه في سورية؛ بوصفه المرجع الأقوى والأهمّ في تاريخ القبّاني المسرحي داخل سورية.
يحتوي كتاب “وقائع مسرح أبي خليل القباني في دمشق” على صور ووثائق تنشر لأول مرَّة، كما أكدَّ الكثير من الأحداث والحقائق التاريخية من خلال استخدام الكاتب لأدواته البحثية المعتمدة على الوثائق وأقوال الصحف، التي لم يستخدمها أحد من قبل، حيث يقول تيسير خلف: بعد أن أنجزتُ كتاباً حول رحلة أبي خليل القبّاني إلى شيكاغو، حين شاركَ في الفعاليات الترفيهية الموازية للمعرض الكولومبي العالمي في العام 1893، تجمّعت أمامي الكثير من المعطيات المرتبطة بتلك الحقبة الدمشقية المجهولة من سيرته، فحزمتُ أمري، وقرّرتُ الدخول في هذا الخضم. فكان هذا الكتاب…
يتناول الكتاب الذي بين أيدينا إذن، سيرة أبي خليل القبّاني في مرحلته الدمشقية، وهو مشغول أيضاً بالتاريخ الاجتماعي – السياسي لدمشق في نهايات القرن التاسع عشر، حيثُ قُسِّم الكتاب إلى مقدمة وتمهيد، و19 فصلاً متبوعةً بملاحق تضمُّ مجموعة من النصوص والصحف، وكذا نصوص الوثائق العثمانية، والرسائل والبرقيات، وملحقٍ للصور، وكشاف الأسماء ومختلف المراجع العربية والأجنبية من كتب وجرائد ودوريات ومجلات اعتمد عليها الكاتب،، كما نجد في الكتاب جدولاً هامًّا يشمل بالتفصيل مسرحيات القبّاني مرتبة وفق تسلسل سنوات عروضها، وجدول لمسرح القبّاني في الكتاب السنوي الرَّسْمِيّ لولاية سورية (سالنامة)، وآخر لمسارح القبّاني في دمشق.
عنْوَنَ تيسير خلف الفصل الأول بـ القبّاني وعصره ووثائقه، ليضعنا في السياق التاريخي الذي عاش فيه القبّاني والتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة. لينتقل في ثاني فصول الكتاب للحديث عن نشأة القبّاني وعائلته وظروف دراسته وتمرُّده. كما يقف الفصل الثالث للحديث عن دار المسرح العربي 1875، حسب الوثيقة التي أتت على ذكر مسرح عربيٍّ في دمشق، في تلك الفترة المبكّرة، وتُسمّيه “دار المسرح العربي”، وتتوالى الفصول التي تقف بالتفصيل على تحوُّلات تلك المرحلة الدمشقية، من فتح مسرحٍ جديد إلى إغلاقه وثورة الدمشقيين وصولاً إلى أضواء جديدة على المرحلة المصرية ومرحلة بيروت المجهولة ومعرض شيكاغو، ثمَّ الأوبة الأخيرة إلى دمشق، ورسالة القبّاني المسرحية.
الكتاب لا يُمثِّل تاريخ أبي خليل القباني فقط، بل هو تاريخ لمدينة دمشق ونخبتها خلال عشر سنوات مثلت مخاضًا للنهضة الثقافية والفنية والفكرية في بلاد الشام، وهذه السنوات العشر تُمثِّل أيضًا الجانب المجهول تمامًا من سيرة هذا المبدع العظيم، فكانت الوثائق العثمانية والبريطانية والفرنسية والأمريكية والأرشيف الصحفي للقرن التاسع عشر.
أخيراً، جاء الكتاب في 336 صفحة من القطع الوسط.
كلمة الغلاف:
وربّما كانت المنشورات التي تمّ توزيعها في شوارع دمشق، وتدعو إلى استقلال العرب عن السلطنة، في الأوّل من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1883، هي الإرهاص الشعبي الأوّل والمُبكّر لفكرة انفصال عرب المشرق عن الإمبراطورية العثمانية، وكان سببها المباشر إغلاق مسرح القبّاني، على الأرجح.
وكان لافتاً في العام 1908، في أثناء الانقلاب على السلطان عبد الحميد، أن الشتائم التي كالها الخطباء الأتراك في شوارع الأستانة لعزّت باشا العابد (الكاتب الثاني للسلطان عبد الحميد) وللعرب؛ كانت السبب المباشر الذي حرّك عوني عبد الهادي (من نابلس) وأحمد قدري (من دمشق) ومحمّد رستم حيدر (من بعلبك) للتفكير بتأسيس «جمعية العربية الفتاة»، وهي الحركة السياسية الأولى التي تبنّت الخلاص من الأتراك.
فاللغة العربية الفصحى، والمواضيع المقتبسة من التراث العربي، في مسرح القبّاني، هما اللذان خلقا الإحساس العميق بالهوية العربية لدى الجمهور الدمشقي، حتّى وإن كانت مضامين بعض المسرحيات تتحدّث عن أمير فارسي، وملك هندي ومعشوقة صينية. وربّما يُفسّر ذلك تجذُّر الأفكار القومية العربية في دمشق، منذ مطلع القرن العشرين.
تيسير خلف:
روائي وباحث فلسطيني سوري، مواليد 1967، صدر له العديد من الأعمال الأدبية والبحثية. صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “قطط أخرى” عام 1993، ليُتبعها برواية “دفاتر الكتف المائلة” 1996، لتتوالى كتاباته التي تجاوزت ثلاثين كتاباً بين الأدب والدراسات التاريخية والرحلة والتحقيق. أهمُّها “موسوعة رحلات العرب والمسلمين إلى فلسطين”، الذي صدر في ثمانية مجلدات عام 2009. من رواياته الأخيرة: “موفيولا” 2013، “مذبحة الفلاسفة” 2016، “عصافير داروين” 2018.
مجلة قلم رصاص الثقافية