بنجامان پيريه | ترجمة: أسامة أسعد
مَن يطلقُ من أعلى الجرف صفيرًا كانكفاء موجةٍ على نفسها إلى الآخَر الذي يجيبُه بغصنٍ ميِّتٍ يخرُّ تحت وطأة أزهار الأوركيديا..
مَن يؤوي عينيه تحت غيمة مطرٍ خماسية الفروع كيما يُحسنُ رؤيةَ ظلٍّ يفرُّ هاربًا بين السراخس العالية التي تشرئبُّ وتردّدُ في الريح نشيد غبيراتِ تيجان فطريّة..
مَن يستمعُ بأذنٍ ترتعشُ لهبوب النسيم اليرافقُ آخر انعكاسات ضوء النهار إلى امرأةٍ تدندنُ أغنيةَ رذاذٍ يتطاير عائدًا إلى حضن أمِّه..
مَن يتألّمُ لجرحٍ مثل قوس هلالٍ في جبين النهار..
مَن يتأوَّهُ لقهقرة زرقة السماء بين جذور كاتدرائيات مُلحِدة..
مَن يسمعُ نقاشَ كلّ عباقرة الأرض في قِمعٍ ميِّتٍ ويُدلي برأيه..
مَن يضحك مثل مرجٍ مزهرٍ بينما تقيم بالانفجارات طيورُ الرفراف البحرية نوبةَ حراسة..
مَن يجيبُ الأنشودةَ المُشمِسة لأجنحةٍ تُنغِّصُ على الخضرةِ التي ترضَعُ قائلًا: أُحبُّكِ..
مَن يقولُ عند أول التماعةٍ لعِرقِ لؤلؤِ الشمسِ مجيبًا القلبَ الذي وُلدَ من ذوبان الثلج: أُحبُّكَ
مَن عرفَ كيف يستخرجُ من قلب الظهيرة الحفيفَ المجهولَ للتحولات المفاجئة وكاد يعيدُ للزبد كل ما انبجس منه
مَن عرفَ كيف يحصلُ من إلهٍ هامدٍ على يوم حياةٍ آخر..
مَن ابتكرَ المستقبلَ والنظراتِ التي تُحاكي دون أن تعرف النيرانَ التي تنطفئ وهو يُخَصِّبُ غلطةَ الفَتيتِ الضائع
مَن كان يُعيدُ للغابة الميتة السنديانة التي آوتها لكي يستميل دمَها ويبذرَه مع الألوان الأربعة..
مَن عندما رأى إصبعَ النهار يشير إليه بالاتهام لدى خروجه من الحانوت فَهمَ أنه يعكسُ كلّ البذور الموشكة على التبرعم..
مَن شعرَ أن مطرقة القمر تهدده بسبب جرح خِلِّه المتقطِّعِ واستلقى بعيدًا في بطن أمِّه مُشعِلًا عيونًا ميِّتة..
مَن بين قفزتيّ سمكة سلمون رأى أول شعرةٍ بيضاء تظهرُ على رأسه..
مَن عرِف كيف ينسجُ جوربَ الحبيبةِ من قطرات الندى التي غزلتها أجنحةُ الغسق على نَولِ الشجَر المزهرِ..
من جمحَ خلفَ الغبار ِالذي يرسمُ قدرَه غازيًا الآلهة التي يخبِّئُها..
مَن بإشارةٍ منه أتاحَ تكشيراتِ قردٍ أو موتَ بجَعة..
مَن بموت الغابات الكبيرة ذهبَ لكي يرى من أي الجهات في الطيف الشمسيِّ يطلعُ النهارُ التالي..
مَن بَرَّدَ بهواء عرض البحر رخَويَّ الغيرِ الخفيّ..
مَن على كفِّ النسمة الميمونة حملَ إلى ما وراء الصحارى أولى شرارات الشموس اللا نهائية..
مَن أحيا بمئة ذراعٍ معقودةٍ أيقونةً جامدةً وكلّ الآخرين الذين كانوا يرقصون مثل تنهيداتٍ في المياه النقية..
الذين كانوا يرسمون إشارات يخبئها الليلُ في أوراق الأشجار التي لم يلدها بعدُ دُبالُ الأرضِ
الذين كانوا يؤججون رغباتهم في الأمواج التي تصارع بلا هوادة من أجل السيطرة على الأمواه بلا جدوى
الذين كانوا يهمسون بكلمات لا معنى لها وهم يرمون في الآفاق الأربعة بروقَ البراكين الثائرة العليمةَ وأمل الابتسامات العريضة مُجيِّشين الحواس والروح حتى قلب الحجارة المنفلقة
كلّهم وآخرون كُثُر
الذين لم يتبقَّ لهم غير يومٍ واحدٍ
غير ألعابٍ ناريةٍ تُذيب غيمةَ مطر
غير حياةِ نبتةِ جرجيرٍ تحلُم بالأبدية
غير أنشودةٍ حجريةٍ يصقلونها لاستقبال شعاع شمس يومٍ فريد
كلُّهم تجَمَّعوا تحت قِمعِ ثمرة بلوطٍ كبيرةٍ مثل كوكبٍ ضائع
وأشعلوا وهم يتعانقون ويمزِّقون بعضهم بعضًا شمسًا لا يرونها.