نزار قباني |
قرّرتُ
يا وطني اغتيالَكَ بالسفَرْ
وحجزتُ تذكرتي،
وودّعتُ السّنابلَ، والجداولَ، والشَّجرْ
وأخذتُ في جيبي تصاويرَ الحقولِ،
أخذتُ إمضاءَ القمرْ
وأخذتُ وجهَ حبيبتي
وأخذتُ رائحةَ المطرْ ..
قلبي عليكَ .. وأنتَ يا وطني تنامُ على حَجَرْ
يا أيّها الوطنُ
المسافرُ ..
في الخطابةِ، والقصائدِ، والنصوصِ المسرحيّهْ
يا أيّها الوطنُ المصوَّرُ..
في بطاقاتِ السّياحةِ، والخرائطِ، والأغاني المدرسيّهْ
يا أيّها الوطنُ المحاصَرُ ..
بينَ أسنانِ الخلافةِ، والوراثةِ، والأمارهْ
وجميعِ أسماءِ التعجّبِ والإشارهْ
يا أيّها الوطنُ، الذي شعراؤهُ
يضَعونَ – كي يُرضوا السّلاطينَ –
الرموشَ المستعارهْ..
يا سيّدي الجمهورَ.. إنّي مستقيلْ
إنَّ الروايةَ لا تُناسبني، وأثوابي مرقّعةٌ،
ودَوري مستحيلْ..
لم يبقَ للإخراجِ فائدةٌ..
ولا لمكبّراتِ الصوتِ فائدةٌ..
ولا للشّعرِ فائدةٌ، وأوزانِ الخليلْ
يا سيّدي الجمهورَ.. سامحني ..
إذا ضيّعتُ ذاكرتي، وضيّعتُ الكتابةَ والأصابعْ
ونسيتُ أسماءَ الشوارعْ..
إني قتلتُكَ ، أيّها الوطنُ الممدّدُ..
فوقَ أختامِ البريدِ.. وفوقَ أوراقِ الطوابعْ..
وذبحتُ خيلي المُضرباتِ عن الصهيلْ
إنّي قتلتُكَ.. واكتشفتُ بأنني كنتُ القتيلْ
يا سيّدي الجمهورَ..
سامحني