صدرت مؤخراً رواية حملت عنوان: “فرسان الحلم” للكاتب الفلسطيني محمد النجار عن دار الفارابي للنشر والتوزيع في بيروت، وجاءت الرواية في في ثلاثة أجزاء، (المخاض، الولادة، الحمل الكاذب)، وقدم لها الكاتب والروائي الفلسطيني مروان عبد العال، إذ كتب: نحن في الواقع أمام كائن جديد يولد، في سيرة مزدوجة وتحوّل متداخل ومجاز متنقل من حياة جماعية في حياة مناضل وإنسان متمرد وعنيد، صنعتها بطولة “فرسان الحلم” في رواية للكاتب محمد النجار.
ينطلق من المستوى اليومي ليتخطى الواقع، فيما يناجي الحلم بسرد مفتوح الى “الشمس البعيدة التي تختبئ خلف الغيوم”، هكذا بروح الحقيقة النضالية المنغمسة في ظروف إنسانية استثنائية، نجده يغرسها في تربة بلاده المقدسة، ينمو معها بين خصبها ومحاصيلها وثمارها اليانعة، في مشاهد تجذب المتلقي ويسيل معا في روعة البطل الذي يثبت بذلك متانته وجدارته، لنكتشف أنه أبعد من أن يكون عملاً عادياً يمر مرور الكرام. وإنما عمل يقدم نفسه ويقتحم العقل بأسئلة وجودية ليؤكد بذلك قدرته لإعطاء دروس تستحق التعلّم، وخبرة متماسكة من شأنها أن تهز كيان القارئ، إذ تحتاجه مكتبة القارئ بقوة.
ويضيف عبد العال: نفخ فيه المؤلف من روحه، حيث جعل من جمالية التشكيل السردي، أسلوبا إبداعياً لمراحل الرواية بشخصياتها وانفعالاتها ومنحنياتها الصاعدة والهابطة في حركة لولبية ثلاثية الأبعاد، تنطلق من محطات ثلاث: الاولى “المخاض” الى الثانية “الولادة” والثالثة “الحمل الكاذب”، وفي هيكل روائي ملحمي اكتمل في “فرسان الحلم”، ومن الانصاف الإشارة لهذا التوثيق البطولي لتفاصيل مدفونة في بئر النفس، كان يستحيل أن يكتبها غير الانسان الذي عاش مرارتها ومتعتها، والشاعر المرهف والفنان المبدع، والمتأمل الانيق والمطعون الخائب والمهزوم، الفيلسوف الشفاف والحالم الصادق والمناضل العنيد.
كل هذه الصور تنعكس كرؤى بين صفحاتها، تأسرك بحياديتها وانحيازها، وضجيجها وسكونها معاً، سمفونية اللغة التي تعزف بإيقاع متجانس لا يخرق تماسكه نشاز. فالروائي تعامل مع الشخصية ككائن بشري، ونص يتدفق بلغة رشيقة مثقلة بالماضي، تحكي الكبرياء، وهو سمة أساسية ملازمة لحالة الريف الفلسطيني الذي يتلوى ابتلاعاً ومقاومة لوحش الاستيطان. وعناوين النصوص تتناغم ألماً وأملاً في سياق الحياة، بعد ما كتب المؤلف وبأسماء عدة مستعارة لدواعي النضال السري، وما كشفه لنا، في اهدائه “عادل عمر” الذي وصفه بـ “وجهي الاخر” ونعته بالقلق والمتمرد، وأخرجه للعلن في هذا الإصدار المميز. بذلك يكون قد أعلن عن هوية روائية حقيقية وبمذاق جديد، كبوح عاشق متحفز بكلمات تنبض بالذكريات وبحرفة عالية، تؤرخ للتغريبة المستمرة بأفظع تجلياتها الملحمية والبطولية، يسردها في إليـاذا فلسطينية جديدة .
عمل عظيم وجميل وجدير أن يسد فراغ الجزء المبتور من الذاكرة، ويعزز مكانة الوجدان الجماعي في النص المُغفل من التاريخ، في عملية محاكمة للتاريخ، لمهزومين يفلتون من الانتباه، وربما يزولون منه، ولكن التاريخ أولاً وأخيراً، يكتبه الحالمون، مثل فرسان الحلم، لأنهم فرسان الحقيقة والعدالة والحق والحب.
عمل جاد يأخذ القارئ الى حياة ليست كالحياة، لا تخلو من دهشة التشويق، وما تستولده لدى المتلقي من أسئلة لا يسعى إليها عبر الخط السردي، بل لا يمكنه الهروب منها، في متوالية للإحساس الحقيقي بالتجدد.
لعلها مهنة احتراف الجديد، وخلق البدايات، على خطى دعوة ماركوس أوريليوس :”بالرغم من أنه لا يُمكِنُ أن نعود إلى الوراء لنصنع بداية جديدة إلا أنه يمكن أن نبدأ مِن الآن في صناعةِ نهاية جديدة.” أما في ” فرسان الحلم”، فالسؤال يتوقف عنده ليس الذات فحسب بل الوجود والمستقبل معاً: هل نصنع ولادة جديدة؟ وجاء الجواب في الجملة الأخيرة لبطل الرواية: “إنه حمل كاذب يا بسمة ونحن ما نزال شباباً..”.