مليكي الذي بيده روحي وتعسي، أناشدك أن تبقى معنا ليلة أخرى.. مليكي.. يا نسمة مرت على المملكة، يا فرحاً.. يا حبور..
هي مرحلة تعوّدنا عليها من سباتك الذي بدأ يزورك باستمرار حيث تصحو بعده شاباً أكثر مما كنت..
لكن (الكوما) طالت هذه الفترة ويبدو أن النهاية قد اقتربت.. أهكذا ترحل الأباطرة دون تلويحة وداع؟! سيذكرك هذا الشعب.. سيخلدك كما خلد من قبلك وسيخلد من سيأتي بعدك..
أعرف بأنك تتحسس من الكتبة الذين يطرحون أسئلة لا تفهم منها إلا الصريخ والنباح.. أنا معك وأؤيد أفكارك النيّرة فهؤلاء الكتبة لا يفقهون شيئاً ومن العجب العجاب أنهم يرفضون أن يقبضوا المال بحجة المبادئ… لندعهم في غيهم يعمهون… شكراً يا مليكي إذ منحتني شرف كتابة يومياتك وما أشهاها وأطيبها من يوميات.. مكتوبة بحبر العسل والورد.. يا لهذه البسمة المزروعة فوق وجنتيك منذ عهود! يا لذلك السلام الداخلي الذي يوحي بالأمن والأمان!
مضت عشرات السنين وأنت هنا وهناك وهنالك توزع الأمان بنظرات يملؤها الفرح والطمأنينة.. ارتحلت وسافرت ونثرت طيفك في مملكتك الجميلة الوادعة التي ينام أهلها وهم يلهجون بالدعاء إليك..
لابد أنك تذكر صولاتك وجولاتك.. أيها الماكر لا تنكر حبك للنساء البيضاوات اللواتي لم تمسسهن يد من قبلك.. فهذا شرطك وتلك رغبتك.. فما أجمل أن تكون الفاتح الأول لمدن العنبر.. كيف لا وأنت من فتح بلادنا لهؤلاء النسوة، ولم تبخل علينا بأجسادهن عندما كنت تملها.. آه يا مولاي من داء الملل الذي كان يصيبك.. لكن معك حق، فالنساء يجلبن السأم والقرف..
قصرك شاهد على تلك الأحداث.. كنت مغرماً بمشاهدة رقص الباليه دون أن تعنيك الحكاية ودون أن ترصد تعابير وجوه الراقصين ومعاناتهم وقلقهم وضجيج موسيقاهم الذي يتدرج بين النسيم والرعد والإعصار.. أكثر ما كان يقلقك أن يناقشك أحد السيّاح في أسماء الرقصات ومدلولاتها، بل أكثر ما كان يزعجك أن يطلب منك هؤلاء اسم العازف أو مؤلف مقطوعة الباليه، وماذا يعنيك أنت من هذه الخزعبلات؟؟ …. كل ما كان يعنيك هو خلفية الراقصة وتطاير ثوبها القصير على فخذيها لتظهر تلك القطعة الداخلية التي كانت تؤجج أشواقك لما تحتها.. من ينسى قصة تلك الراقصة التي شاهدتَ عرضها في بلد أجنبي كنت تتواجد فيه لتوقيع مشاريع لم تكن لتتم إلا بوجودك .. عندما عدت إلى مملكتنا، استجلبت لأجلها مهندساً مختصاً كي يصمم بحيرة ثلجية مجمّدة وأرسلت في طلبها كي تتراقص أمامك في القصر .. لكن العاهرة رفضت بحجة أنها ليست راقصة قصور.. فأمرت بإزالة البحيرة من قصرك واخترت لها أرضاً أخرى فالمملكة لك وأنت حر في أرضك وملكك.. ما عليك سوى التلميح ليُنفذ طلبك بالحال.. وعاد المهندس من بلاده الباردة وتم تصميم البحيرة وتجميدها ثانية ضمن ظروف أخذت الكثير من الجهد والمال.. ومن يسأل عن المال وأنت تقبع فوق كنوز الأرض، تستحق ذلك يا مولانا .. لكن الراقصة لم تقبل الدعوة لأنها تزوجت وربما تنتظر مولودها الأول..
لا تتنهد يا جلالة الملك.. البحيرة ذابت وأكلها النسيان.. وأصبحت ملعباً لأطفال القصر الذين سيصبحون غداً أمراء ثم ملوكاً، وسوف يذكرون هذه القصة ويضحكون.. لا بد أنها قصة مسلية..
دعنا نطوي هذه الصفحة فأنا أرى أن الكدر قد ارتسم فوق جبينك المعظم.. لماذا لا تذكر رحلات الصيد وما أروعها في تلك الصحراء الشاسعة.. حيث كانت الغزلان تتهادى وهي تقفز هاربة من بنادقنا.. بينما أنت في خيمتك الملوكية تحرث جسد تلك الإفرنجية التي أذاقتك المتع بألوان الطيف كله..
لله در تلك الإفرنجيات كم يجدن فن الإغواء.. كنا نسمع لهاثكما وشخيركما ونتلمظ شوقاً على نسائنا.. لكن يحق للملوك مالا يحق لغيرهم.. فهم سادتنا في الحق والباطل..
كنت تتحدث عن شبقها بلوعة وجنون, وتقول لماذا لا تكون لنسائنا هذه المهارة، لكن الرجال لك بالمرصاد فنساؤنا عفيفات، شريفات، لا يشتهين الرجال حتى لو كانوا أزواجهن..
أما زوجاتك، وأبناؤك العشرون فكنت مثالاً يحتذى بالأبوَّة والعدل والإنصاف.. ولم تتخل عن هاجسك السياسي في أن الخلاف سيدب بينهم ما أن تغمض عين الحياة فأوكلت مهمة تربيتهم وتأديبهم لأهم الأطباء النفسيين الذين قدموا من الخارج يحملون شهاداتهم ونظرياتهم وفنونهم..
أولادك .. الله !! ما أروعهم وألطفهم وأرقهم… نصحك أحد المستشارين في أنه ليس بالضرورة أن يكون ولي عهدك أكبرهم سناً، فقد استشفوا في ولدك الأوسط خبرة وحنكة وجدية فاقت كل تصور..
أما بناتك الأميرات فقلما نراهم فهم في شغل شاغل وراء كل جديد من الألبسة والمجوهرات.. فطائرتهم كانت في إقلاع دائم هنا وهناك.. ويقال يا مولانا أن احدهن قد تمردت ورفضت السفر مع أخواتها وشقيقاتها وطالبت بتخصيص طائرة لها وحدها.. وتم لها ما أرادت.. كم أنت أب مثالي.. و كم كن جميلات.. صاخبات..
لا تعطي أذنك لتلك الفضيحة التي أثارتها إحدى الفضائيات عن علاقة غير شرعية تربط ابنتك والعياذ بالله بابن أحد السفراء الأجانب .. كل ذلك يا مولاي محض افتراء، وضريبة نجاح يدفعها رجل مثلك.. وسمو الأميرة أكبر من أن ندافع عنها.. فأصلها هو الذي يدافع عنها وعن منبتها وأخلاقها..
مضت السنون وأنت تنعم في دعة حسدك عليها الكثيرون وبالمقابل تم انتقادك من قبل منظمات تافهة كما عبر لك وزيرك وهو يطمئنك، وفعلاً تم لملمة الأمر بل أكثر من ذلك تم إغلاق تلك الفضائية التي استقبلت تلك الوجوه الصفراء وسمحت بذلك النباح وتلك التقولات…
كنت تقول معللاً: ما دام لدي هذا الجيش من الوزراء والأمراء وأولياء العهد، وما داموا يقبضون الثروات وأعرف بأنهم يسرقونني، لماذا أتعب روحي في إدارة البلاد.. أنا أعرف لمن سلمت زمامه، ولم يخب ظن أبي وقبله جدي في تصوراتهم..
لا تتنهد.. انظر كيف تكور كرشك الملوكي فأصبح مثل بطن أفعى تجهز على فريسة..
حسناً دعنا من الذكريات التي تقلق راحتك، وتذكر تلك المحظية السوداء التي تمنّعت عنك وسببّت لك إحباطاً نفسياً ما أدى لاستدعاء طبيبك الذي كان يستجم خارج البلاد..
كنت قد رأيتها في آخر زيارة لبلادها الساحرة.. صحيح هي طفلة لم تتجاوز عامها العاشر لكنها مكتملة الأنوثة، منتفخة الصدر، مدورة الأرداف.. صحيح أن والدها أصابته الجلطة جرّاء اختطافها من قبل رجالكم الأشاوس.. لكن هذا يهون أمام الشرف الذي منحته جلالتكم لرحمها الذي فاض بنطافكم، وأمام النشوة التي أطلقتها، حيث لم يحتمل جسدها كل تلك السعادة فأسلمت الروح لبارئها..
رحمها الله وسامحها، فلم تدرك أي مجد ناله جسدها الفاني..
هكذا النساء يا مولاي آكلات ناكرات..
لكن أكثر ما كان يمتعك ويمتع المملكة من شرقها لغربها، هو الحمّام الذي تحتفل به مملكتنا كما تحتفل بأعيادها الوطنية..
كانت نساء العجم يتجمعن في جناحكم الخاص بالحمّام، يجهزن الماء على عدة مستويات.. فمارينا للماء الصافي دون أي تعطير حيث تغطس فيه حتى الرقبة، ولوسي للماء المذاب معه العنبر الأفريقي، وجورجيت للماء المعطر بورق النيلوفر، وكريس للماء الوردي، وجودي للمرحلة الهامة والأخيرة، ويقال وسامحني يا سيدي ومولاي، أن تلك المرحلة كان يُذاب فيها عسل الزلوع وبودرة الفياغرا، وخصوصاً أن ……… أقصد يا مولاي … سامحني والله هذا ليس قولي إنه قولهن: إن فحولتك كانت في هزيعها الأخير ولم تنفع كل مستحضرات تلك الجوقة التافهة من النساء.. ولكن لا تحزن فإن كل شيء يتم تصحيحه بعد الحمّام حيث تتناوب خلاله الأيادي البضة على جسدك وتندلق فوق وجهك النهود التي كنت تحررها من حاملات الحرير الشفافة بشقاوة وهذه إحدى صفاتك المحببة للجميع.. ثم ستحملك الأيادي إلى سرير الماء وتبدأ عمليات التدليك لجسدك الذي يعتليه الصدف والفطور والتقعرات والتحدبات، حيث يُمسح بزيت الياسمين وبعض الخلطات العجيبة التي تعيد إلى روحك الروح، فتتنهد منتشياً، وتزفر كل ما علق من آلام وحزن وخوف..
وهكذا كنت تخرج بروح عالية ومزاج رائق وصدر عارم بالفرح.. ولذلك كله كنا نخرج إلى الشوارع نحتفل بعيد الحمّام الذي يهل على مملكتنا التي تزداد أعيادها يوماً بعد آخر.
أما الآن فما علينا سوى تغيير نمط هذا الحمّام كي يكون على مقاس ومزاج ولي عهدنا الجديد الذي سنحتفل بتتويجه غداً.. وكل ما أتمناه أن يتخذني كاتباً له كما اتخذني والده وجده، لأن كل تلك الهرطقات التي ذكرتها سوف يتم حذفها من سيرتك الذاتية التي أعددت نسخة مختلفة عن هذه أنقش من خلالها مجدك الخالد، ومجد من سيليك على جدار الزمن.
مجلة قلم رصاص الثقافية