إهداء: إلى كل فلسطيني صامد.
كعادتك.. استقبلت يومك بفاتحة الكتاب وتراتيل بدايات ‘الإسراء’، عسى ربك يحفظك من الزلات والسقوط ويبدد ظلامك الذي يحيط بك من كل مكان؛ فليس لك من النور غير فتحة الباب تطل منها على بعض من قريتك المحاصرة بأسلاك الموت والخوف؛ فتعود إلى حديث الحسرة والندم لتصرخ صرخة لا تسمعها إلا نفسك الخائفة من كل شيء حتى من الجرافة التي يداول الناس أخبارها كل يوم.
كيف تخافها ولقد كنت تبني من الرمال المبللة قصورا جميلة تأخذ كل وقتك؟!
تقول لأطفال قريتك: هذا البناء الضخم يا أصحابي أخذ كل وقتي؛ فيبتسمون ابتسامة الزهور في فصل الربيع، وتبتسم أنت.
لكن هذه القصور سرعان ما تهدمها الريح في آخر النهار فتعود لتبني قصورا أجمل تهدمها الريح في أول النهار الثاني.
تسأل نفسك عن قصة أناس يقولون عن أنفسهم أنهم ‘ليسوا غرباء’ وقصة أناس يقولون عن أنفسهم أنهم ‘غرباء’ لم يولدوا لهذا الزمن المشبوه الذي لا يعرف إلا الردة والرداءة!
تساءلت عن الجدران القديمة التي تتهاوى كل يوم؛ لماذا تلك الجرافة لا تعرف الخوف؟ لماذا صوتها يخيف حتى الكبار الذين حرمت عليهم مراضع الجبن والخوف؟ الذين ورثوا الشجاعة مع التراب الذي يكاد ينطق بمنطق الطيور المهاجرة في كل مكان، الطيور التي تستهويها شجرة واحدة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تساءلت عن قصة السلام القادم من الغرب، يقولون: إنه قريب.. قريب جدا، ربما الشهر القادم.. ربما العام القادم!!
يقولون: أن هناك عقبة واحة وتنتهي المشكلة!
يقولون: المسألة مسألة وقت فقط.
يقولون: الزمن يجري بسرعة غير عادية وغير مألوفة!
ويضيق صدرك، ويزيدك الظلام ضيقا على ضيق.
لماذا تسكن تلك الحجرة المظلمة؟ لماذا تستأنس بالظلام والشمس تشرق كل يوم من مشرقنا؟!
ويقترب صوت الجرافة ..
يقولون إنّها أكبر الجرافات على الإطلاق.
يقولون: إنها من صنع رجل ليس من سكان القرية.
وتقترب.. ويضيق صدرك لتعود إلى فاتحة الكتاب وبدايات ‘الإسراء’ عسى ربك يحفظك من الزلات ومن السقوط ويبدد ظلامك الذي يحيط بك من كل مكان فليس لك من النور غير فتحة الباب ترى منها جدك لأول مرة.
-جدي؟!
وتفتح الباب لتعانقه بحرارة، عناق الحاضر للماضي..
ـ جدي ..أين كنت طوال هذه المدة الطويلة؟ لا زلت احتفظ بصورتك لقد أعطانيها أبي قبل استشهاده وهو يصارع الجرافة..
-أنت رائع يا بني ..أنت بطل..
-جدي .. لماذا هذه الجدران تتهاوى كل يوم ؟!
-الجد- وعلى وجهه حسرة- : لأنكم أهملتم حصنكم القديم ..
ويرحل الجد .. وتعود أنت إلى حجرتك المظلمة، ولكن كان الجنود المحتلون في انتظارك..
قال أحدهم :منذ مدة و نحن نبحث عنك أيها المجنون .. مع من كنت تتكلم ؟
– مع جدي..
– الجنود – وهم يقهقهون-:مع جدك؟! أيها الغبي، ألم تعلم أن جدك دهسته جرافة قبل أن تولد أنت..
ويأخذونك إلى السجن لتلبث فيه بضع سنين..
ولكن بقيت كلمات جدك خالدة في ذهنك ..ترددها بعد فاتحة الكتاب وبدايات ‘الإسراء’ ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(من مجموعتي القصصية “قبيل الفجر بقليل”)
مجلة قلم رصاص الثقافية