الرئيسية » رصاص خشن » رواية “مسعدة”.. حين يتجسد الوطن وقضيته في امرأة

رواية “مسعدة”.. حين يتجسد الوطن وقضيته في امرأة

يطل الروائي الفلسطيني محمد النجار على القرَّاء في روايته “مسعدة” حاملاً حزمة من القضايا المُلحة في تفاصيل سرديته، مازجاً بحرفية الروائي المُتمكن من أدواته بين الواقع والخيال، ومُعبراً عن الهم الوطني لكن من زاوية أخرى، زاوية اجتماعية أخلاقية، مُنطلقاً من الموروث الاجتماعي وما يتضمنه من قيود تقليدية متخلفة تُكبل المرأة وقلبها ومشاعرها وتحولها إلى مكسر عصا للسطوة الذكورية باعتبارها العورة والضلع الأعوج..

“اهتاج أخوها جابر لمَّا علم عن علاقتها بأحمد، ذاك الفلاح الذي لا يملك من الدنيا سوى عدم الجرأة علىا لانتحار. لا يدري هو نفسه لماذا يعيش في عالم ليس له منه نصيب، حيث لا أمل ولا حياة ولا مستقبل…

صرخ في وجهها معاتباً: أتفرطين في شرفك وسمعتك من أجل إنسان حقير كهذا؟ (ص23 ـ 24). 

تحكي الرواية قصة مسعدة، الفتاة التي وُلدت كبيرة، وعاشت كبيرة، وأحبت أحمد الشاب الذي بادلها الحب بالحب والوفاء بالوفاء، لكنه استشهد دفاعاً عن أرض فلسطين، لتكون مسعدة هي القضية وهي الأرض التي حملها الرجال في قلوبهم وضمائرهم، وبذلوا الغالي والنفيس دفاعاً عنها، وفي الوقت عينه هي القضية التي رماها الزمن في أحضان المخصيين، لكنها ظلَّت تحلم برجلها، ببطلها، بفارسها…

“رغم حالة الخصاء المنتشرة بكثرة عندة علية القوم، إلا أن الرجولة بين هؤلاء الفقراء تملأ الآفاق”. (ص128).

لم تكن مسعدة مجرد فتاة، إنما شجرة زيتون في أرض فلسطين لم تستطع كل الرياح العاتية اقتلاعها، كذلك لم تنل منها سكاكين وسواطير العادات والتقاليد، كانت امرأة بألف رجل.

“كانت تتسلل بين المدافعين أول الأمر، تنقل الماء لهم، توزع عليهم خبز الطابون وحبات زيتون من زيتونات الحقل الذي رصعته أم أحمد بيديها وملّحته وأغرقته بالماء منذ عام ليصير طعاماً للرجال، وكأنه خُلق خصيصاً لمن يحملون البنادق”.  (ص33).  

في الوقت الذي يحمل فيه الرجال بنادقهم وذخيرتهم، وينسلون تحت جنح الظلام في الأودية وبين الجبال للدفاع عن أرضهم المُغتصبة، يحمل الذكور سكاكينهم ويتبخترون في منازلهم ويتوعدون إناثهم بالذبح إن دهم إحداهن العشق، أو ضُبط أثر أحدهم في قلبها، بذريعة الدفاع عن الشرف.

“من الذي حشر شرف العرب كلهم بين فخذي المرأة…؟ (ص26).

“…هنا شرفنا، بين جذور البرتقال وأغصان التين وأوراق الزيتون، بين ذرات التراب ومياه البحر وينابيع الأنهر، في دفاعنا عن المرأة والطفل والشاب والكهل، وليس بين فخذي امرأة، أياً كانت هذه المرأة”. ص(23).

اعتمد النجار في سرديته الروائية إلى حد كبير على الرمزية الأسلوبية بما تحمله من إيجاز وفرادة، إضافة إلى توظيفه المزاوجات اللفظية إلى جانب مرونة التصوير وبراعة التخييل الممزوج بالواقع بحيث يمكنك أن تشعر بوجود بعض شخوصه حولك وفي محيطك، كما كان أسلوب الصدم حاضراً بقوة في الرواية، وربما يكون هذا أكثر ما تحتاجه مجتماعاتنا لتتخلص من حمولتها الزائدة إن أرادت التقدم إلى الأمام. 

“إنه طفل الورد، إنه نتاج تلك اللحظات الأكثر شاعرية ومتعة، لحظات هدير فجر الحب وصفاء إشعاعات العشق بين اثنين لا يعرف سرهما غير الله، أشدها روعة وطربا وأكثرها إنسانية، إنها البديل الطبيعي لكل حالات الإذلال والاغتصاب اليومي للقاصرات والناضجات على حد سواء، باسم الله مرة، وباسم المجتمع والعادات وسيف الرجولة حتى لو كان كاذبا مثلوما مرات ومرات”.(ص147).

إن تحرير الوطن، أي وطن، لا يمكن أن يتم إلا حين يتحرر المجتمع، ولن يتحرر المجتمع إلا بتحرر أهم ركن من أركانه والمتمثل بالمرأة، إذ لا يمكن بأي شكل من الأشكال خوض معركة لا يكون جميع المشاركين فيها أحراراً، وإن لم تكن المرأة شريكة في المعركة، ستكون معركة خاسرة بالضرورة، ومن هنا انطلقت سردية محمد النجار، من المرأة التي كانت تخوض معركتين، واحدة لتحرير وطنها من الاحتلال الصهيوني، والأخرى لتحرير نفسها من “الاحتلال” الاجتماعي، والمعركة الأخيرة هي معركتها وحدها، ورغم كل الصعاب ستنتصر فيها على رواسب الموروث التي كُرست كقوانين ودساتير إلهية لا يمكن الخروج عليها، وكذلك على التسلط الذكوري الذي عززته تلك القوانين والدساتير التي يحفظ الذكور منها فقط ما يبررون به سطوتهم وجلافتهم وتكبرهم على المرأة واضطهادهم واستباحتهم لها. 

“إنها ما تزال تتقلب على شاطئ البحر، يغوص البحر فيها، يُلقحها بالصبرة والأناة والحنق والغضب والثورة، يغسلها من تعب الأيام وأوساخ بعض علية القوم، يمسح التعب عن جبهتها التي حرقتها الشمس وغبار الزمن، هذه المدينة التي أدركت باكراً أن الشجاعة وحدها لن تكفي لمواجهة الأعصاير، لا بدَّ للشجاعة من حماية داعمة ترافقها، وأن عليها واجب تعلم فنون القتال”. (ص144).

رواية مسعدة، صادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع (عمَّان ـ الأردن) 2021، وقد جاءت في (151ص) من القطع المتوسط.

محمد النجار: 

كاتب فلسطيني مواليد قطاع غزة عام 1956، يحمل إجازة في الهندسة منذ عام 1982، تعرض للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الصهيوني عدة مرات ما بين 1982 حتى 1995، غادر الأراضي المحتلة حين أغلقت أمامه كل الدروب.

صدر له: 

ـ الآثم والقديس، رواية عام 2019 عن دار كنانة / دمشق. 

ـ فرسان الحلم، رواية من ثلاثة أجزاء (المخاض، الولادة، الحمل الكاذب) عام 2020، دار الفارابي / بيروت.

ـ عشاق من زمن غابر، رواية عام 2020، دار فضاءات / عمَّان.

كما سبق أن صدر له في فلسطين المحتلة تحت اسم مستعار (عادل عمر):

ـ مناضل في الظل، مجموعة قصصية عام 1986، وطبعة ثانية 1991.

ـ الظافرون بالعار، رواية عام 1989، طبعة ثانية 1990، طبعة ثالثة 1991.

ـ بانتظار الظلام، مجموعة قصصية عام 1991.

ـ رحلة في شعاب الجمجمة، رواية عام 1992.

ولديه مجموعة من المخطوطات التي لم ترَ النور بعد.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

وحشية

١ ثمة ملاك، أو هذا ما نظنه لأنه يرتدي لباساً أبيض، ينشر حوله هالة نورانية، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *