الرئيسية » مبراة » لا أريد أن أكون وقحاً !

لا أريد أن أكون وقحاً !

كان أحد الأصدقاء يقول لي كلما التقينا وتحدثنا في الشأن العام قبل وبعد أن صار الجميع يتحدثون فيه، فما الذي ينقصنا نحن ما دام لدينا ألسنة: “أغبطك على تفاؤلك”، كان يقول ذلك دون أن ينقر على الخشب، فالغبطة لا تحتاج إلى تلك الخرافة بعكس معظم شعوبنا التي لا تستطيع العيش دون خرافة تُشعرها بكيانها ووجودها، وللأمانة لست متيقناً إن كان يغبطني أم يحسدني رغم أنّي ما عرفته حسوداً، والحقيقة أنّي لم أكن أعرف سر تفاؤلي حينها، بعكس تشاؤمي الذي تعايشت معه منذ سنوات والذي أعرف أسبابه جيداً، وبالتأكيد ليس أحدها أنَّ صديقي لم ينقر على الخشب! 

“الأمل” ربما هو السبب، أو بقاياه التي حملتها معي منذ مغادرتي بلدي مُرغماً، قبل أن اكتشف متأخراً أنَّ الأمل في الشرق كالحب الكاذب، كالحمل الكاذب، كالميت، كالمصيبة، كشعارات الأحزاب، كخطابات السياسيين، كوعود الثوَّار، يتلاشى مع الزمن ويُنسى كأنه لم يكن.

أنظر حولي فلا أجد ما يدعو للتفاؤل، أحدق فلا أجد سوى الخراب، أعلّق علم فلسطين أمامي كي لا أنشغل بنتائج المأساة وأنسى أسبابها، واسترق النظر إلى بيروت التي عشت فيها زمناً كان جميلاً بكل قبحه، فيُحزنني حالها وقد غادرت شواطئها النوارس هرباً من رصاص طائش أو تفجير طائش، التفت إلى طرابلس الغرب فأكاد أرى دخان المعارك من الشاطئ الآخر للمتوسط حيث أعيش، التقي يمانيين أقحاح فأرى في عيونهم وملامحهم انكسار العرب، وهم يخفونه بكبرياء ليس كمثله شيء، أمَّا جرح العراق فهو ندبة تعلو جبيني خلفتها شظية قذيفة طائرة حربية كانت ترش بذور الديمقراطية المستوردة بمبيدات الديكتاتورية وتسقيها برذاذ الطائفية والعشائرية والمناطقية، أمَّا سوريا فهي مذبحي.

إذاً، لماذا التفاؤل ونحن نهوي دون أن نشعر، وبما أننا لم نرتطم بعد، هذا يعني أننا ما زلنا في طريقنا إلى القاع، لقد تأخرت كثيراً لحظة الارتطام، وهي في اعتقادي أكثر ما نحتاجه لأننا على إثرها إمَّا سنصحو وندرك ما حدث ويحدث من حولنا وإلى أي درك وصلنا أو أُوصلنا، أو نقضي ونتلاشى وكأننا لم نكن يوماً، وإن كان تشاؤمي المُسيطر علي منذ زمن يدفعني لترجيح الخيار الثاني، فليس هناك ما يدعو للتفاؤل أبداً، ولكن لا ذنب للقارئ بحالتي النفسية ومعاركي “الدونكيشوتية” فهو الآخر مثقل بما يضمن له سقوط مدوٍ.

يقول الكاتب بهاء طاهر: “التفاؤل في هذه الظروف يكاد يكون وقاحة”، ولا أريد أن أكون وقحاً، ربما هذا كل ما في الأمر.

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن فراس م حسن

فراس م حسن
قـارئ، مستمع، مشاهد، وكـاتب في أوقـات الفراغ.

شاهد أيضاً

محضر تحقيق !

قررت أخيراً أن أضع حداً له، وداهمت مسكنه عند منتصف الليل، كان مستلقياً فوق طاولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *