لينا حلاج |
منذ قراءاتي الأولى في علم النفس التربوي، أدركت أنني في ورطة جميلة. ورطة يتحدث عنها علماء النفس و السوسيولوجيون بكثير من الحذر. هذه الورطة هي أن لا يكون لديك سوى طفل واحد. وأنا من تلك الأمهات اللواتي ليس لديهن سوى طفل واحد. طفل يتمركز حوله اهتمامي، وخوفي، ومعرفتي بالتربية. وهذا التمركز هو الآخر مشكلة، فأنا أعتبره صمام أمانه، وابني يعتبره قيدا! وكلانا على حق.
علوم التربية المتداولة في الصحافة لا تأخذ باعتبارها بنية الأسرة وخصوصيتها، وتجربة الأبوين! تتحدث عن الطفل الوحيد وكأن كل الأطفال سواء! من حيث المشاكل هذا الكلام صحيح، فمشاكل الأطفال متشابهة، ولكن تختلف الحلول.
فتجاربنا ليست قائمة على ما درسناه من نظريات التربية، وما تعلمناه، أو توارثناه، بل على الطريقة العملية في تطبيق ذلك. غالبية الناس ترى أن الطفل الوحيد محظوظ، باعتباره محط اهتمام والديه والعائلة والمحيط الذي حوله. إلاّ أن ذلك الاهتمام المبالغ به لا يلغي إحساس الطفل بالوحدة، والفقد الأخوي. وقد يعود هذا الاهتمام بتأثير سلبي على الطفل. فعدم تقبله لأي رفض، وردات فعله غير المتوقعة. هي إحدى نتائج ذلك الاهتمام.
باعتبار مرحلة الطفولة هي مرحلة التأسيس الأساسية في حياة الطفل، على الأهل الاهتمام بالصحة الجسدية، والنفسية بشكل أساسي، فالصفات التي يكتسبها في مراحله العمرية الأولى هي التي تؤهله لامتلاك المهارات اللازمة للتفاعل مع البيئة الخارجية. والعمل على تطوير شخصية الطفل وتنميتها يساعده على تحقيق النجاح.
هذا ما يعتقده الأخصائيون بعلم التربية. إذ أن أول أسس التربية بنظرهم، تلك التي لها ارتباط بالحياة اليومية التي نعيشها، واحتياجات كل طفل. هذا الشيء يتحدد وفق نمط تربية محدد، أو وفق الضرورة.
تشجيع طفلك من خلال الأنشطة الترفيهية معك ومع والده، وكذلك مع أصدقائه، فالأطفال الوحيدون لا يمرون بمواقف كثيرة كما يحدث بين الأشقاء، تلك المواقف تساعد الطفل على التعايش وتكوين علاقات اجتماعية، لذلك يجب بذل مجهود أكبر معه لمساعدته في النجاح في المواقف الاجتماعية، من خلال تشجيعه على المشاركة، والتنازل في بعض المواقف، وإبداء الاعتبار للآخرين.
يجب أن نعرف طريقة إيصال الأفكار بإعطائها معنى محدد للأساسيات، فأن أقول لطفلي أنا أثق بك و بقراراتك هو أمر مهم جدا لجعله يثق بنفسه و بقدراته، و هذا ما سيساعده على صقل شخصيته، وكل ما على الأهل فعله منح طفلهم الحب غير المشروط الذي يحتاجه، و بهذا أكون قد ساهمت في بناء شخصية طفلي و تعزيز ثقته بنفسه. و هنا سيكون من الضروري جدا وضع قواعد أساسية يلتزم بها حيث أن التنظيم من أساسيات تكوين شخصية الطفل.
ثم إن الأطفال يجب أن يعيشوا ضمن بيئة آمنة، بعيدين عن الخوف وعن سوء المعاملة، سواء في البيئة الأسرية أو في بيئة المدرسة، ليتمكنوا من اللعب والاستكشاف ومعرفة الحياة من حولهم بمفردهم وبتوجيه من أهلهم، فتعتمد مراحل عمرهم القادمة على ما تعلموه خلال هذه الفترة وعلى طريقة عيشهم فيها. إن خوف الوالدين على طفلهم وحمايتهم الزائدة له، و عدم رغبتهم بالاحتكاك مع الآخرين أو التواصل مع الأشخاص الغرباء ستؤثر سلبا عليه و ستؤدي إلى ضعف شخصيته، و عدم ثقته بنفسه، و عدم قدرته عن الدفاع عن نفسه عندما يكون بعيداً عنهم و هذا مالا يتمناه الأهل لطفلهم. لقد تحدث بعض الفلاسفة عن مرحلة الطفولة بخصائها وتأثيراتها على شخصية الطفل، ومنهم: إريك أریکسون حيث قال: أن الإنسان عندما يحقق ذاته يتمكن من حل أزمة النمو بطريقة مقبولة، فمن سن 3 إلى 6 سنوات يكون شعور الطفل بالحرية والاستقلال، وهذا يدفعه إلى الشعور بالمبادرة والمسؤولية والثقة في نفسه وفي قدراته، ومن 6 إلى 11 سنة يبدأ الطفل بالاستقلالية وترجمة خيالاته وتجسيد أفكاره، وكلما لقي تشجيعًا ممن حوله كلما تقدم أكثر.
وبشكل عام فإن علماء النفس أجمعوا على أهمية الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل، وأن هذي الفترة هي أكثر فترة حرجة من عمره، وهي التي تتميز بتطوير ملامح شخصية الطفل المستقبلية التي تعتمد بشكل كبير على نوعية الخبرات النفسية والمعرفية التي يمر بها الطفل. إن اهتمام الأهل بأولادهم وإدراكهم مدى الرعاية التي يحتاجون لها، سواء كان الطفل وحيداً أم كان له أشقاء فالفرق لن يكون موجوداً. المهم أن تكون قواعد التربية المعتمد عليها سليمة في الحالتين، وأن ردات الفعل التي تظهر لدى الأطفال ستكون في الحالتين حسب البيئة والتربية التي يتلقاها الأطفال. المشكلة ليست في الطفل الوحيد، ولكنها في التربية التي يتلقاها.
ولأن طفلي وحيد، وكأي أم أحلم بأن يكون طفلي ذكيا، وذو شخصية محببة، وأريد له أن يكون قويا ويخوض غمار الحياة، وأن يعتمد على نفسه في اتخاذ قراراته، أحاول جاهدة العمل على البحث والتقصي حول الطريقة المناسبة للتربية، وفق قواعد متينة. يقول الدكتور أحمد أوزي إن الطفل إذا ما حصل على التربية السليمة فإنه يكون قادرا على الإنجاز ويسعى إلى أداء أعماله على النحو الأمثل، كما أنه يتكيف مع الشعور بالوحدة ويكون أكثر استقلالية، ويميل إلى القراءة والفنون والأنشطة الأخرى التي يمكن ممارستها وحده.
مجلة قلم رصاص الثقافية