لينا حلاج |
رنَّ هاتفي الساعة الثانية عشر إلا دقيقة مبدداً الصمت من حولي، لم أعهد صوتها هكذا، أتاني باكياً مستغيثاً كأن حزن العالم قد التف به، ما خطبها؟ ما سرها، ما الذي حدث لها؟ لست أدري.
شعرت وكأنني في سباق مع الزمن أجاهد نفسي مسرعة والوقت يجري وكأنه يهرب مني. هي لا تعلم أين هي؟ وفي أي الطرقات تقف؟ و لماذا هي هناك؟ هي تعرف بيتي ولكنها لا تعرف كيف تصل إليه.
ذهبت مسرعة نحوها وكل شيء يجري أمامي مسرعاً، رأيتها واقفة وعيونها مليئة بالخوف. رأتني فانداحت دموعها، و كأن حزن العالم في عينيها. هكذا تكون المرأة حين تفقد الملاذ الذي تأوي إليه.
من السهل أن يدخل الخوف إلى نفسك، ولكن من الصعب أن تتخلص منه. الخوف: خوفان. خوف موجود واقعيا، وخوف متصور، يصنعه خيالنا، ويحدث اضطرابات و مشاكل نفسية كثيرة.
فهل الإنسان حيوان خائف بطبيعته الفطرية؟ أم أنه مسكون بالخوف بطبيعته المكتسبة؟ وهل هو نتيجة حتمية لما يعانيه من تحولات الحياة التي رسخت هواجس الخوف في دواخله ؟ وهل الخوف حرية فاضلة تمليها طبيعة الذات إزاء عالميها (الداخلي – الخارجي)؟
فالخوف كما يقول علماء النفس هو مجموعة من العواطف الأساسية أو الفطرية، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتوتر. وهناك اختلاف كبير بين خوف المرأة وخوف الرجل، ويختلف ذلك الخوف تبعا للمجتمعات أيضاً.
فالمرأة في تكوينها البيولوجي تمر بالعديد من المخاوف ( العقم، الحمل، النفاس، الإرضاع) وهذه الأمور كلها تساعد في زيادة انفعالاتها النفسية، وتلك الانفعالات هي شكل من أشكال الخوف، إضافة (للطلاق، العنوسة)، وما يقوله المجتمع (القيل والقال).
فنحن نعيش في مجتمع لا يعرف كيف يعرّف الأشياء أو يضعها في سياقها الحقيقي، تربى على ثقافة لا تتورط، وعاش في رهبة دائمة، فاقد للثقة ومتناقد.
تواجه المرأة العربية الكثير من الضغوط والمخاوف والتعنيف لذلك هي تعيش مخاوف مختلفة عن مخاوف الرجل: الخوف من الأسرة والعائلة والمجتمع والسلطات والعمل وأي مكان تذهب إليه عكس الرجل، ولذلك تعمق إحساس المرأة العربية بالخوف، ولم تعد تستطيع التعبير عن نفسها نتيجة الخوف من ردود فعل المجتمع، فالخوف قد تأصل في الذاكرة النسوية بعد سنوات طويلة من القمع، هذا الخوف لا يتجسّد في عدم التَّعبير فقط، بل في الهجوم على مثيلاتها، وكأنّها في هذا تَنفي عن نفسها التُّهم، و كأنها بهذا تحصل على تقييم أخلاقي متقدم!!
لماذا عليها أن تنفي عنها هذه التهم؟ و من ألصق بها هذه التهم أصلا؟ وما هي الطريقة المثلى لتجاوزها؟
ترى اختصاصية تحليل وتعديل السلوك ابتسام قاسم، أن الخوف يمكن أن يكون مرضاً معدياً، يحدث نتيجة توجهات المجتمعات، فالشخص يتعلم الخوف بغض النظر عما إذا كان قد تعرض إلى صدمات نفسية أم لا، وهو ما يُعرف بـتكيُّف الخوف، أو الخوف الاشتراطي.
يُمكن للأفراد أن يتغلّبوا على المخاوف غير الضرورية التي تواجههم من خلال منح أنفسهم الفرصة للتعرّف على الأمور التي يخافون منها أو السماح لأنفسهم بالاعتياد عليها بشكل تدريجي من أجل حل مشكلة الخوف لديهم، في ضوء وجود بعض التقارير التي تؤكد ازدياد الانتهاكات والجرائم بحق النساء.
قامت مؤسسة تومسون رويترز بدراسة الواقع النسوي في عدة دول عربية، وقد أظهرت الدراسة أن مصر أسوأ بلد عربي تعيش فيه المرأة، وجاء العراق في المرتبة الثانية، تليه السعودية فسوريا واليمن. وتتنوع انتهاكات حقوق النساء بين خدمتهن للرجال في بعض المجتمعات، وحرمانهن من الحق في التعلم والعمل، وتزويج القاصرات، والزج بهن في الأعمال غير الشرعية. إلى غير ذلك.
إذ أن في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003 انتشر النزوح الجماعي للنساء، وهو ما جعلهن عرضة للاتجار بهن، وللعنف الجنسي. فهناك 1.6 مليون أرملة. هذا على سبيل المثال.
لا يتم احتقار الإنسان إلا في مجتمع تحكمه قبضةٌ يدَّعي أصحابُها امتلاك حقوق ماورائية؛ وهو مجتمع لا بدَّ أن تسوده التفرقة الدينية والعرقية والطائفية.
لهذا نحتاج إلى تبني ثقافة جديدة في مجتمعاتنا، ثقافة تُبنى على المسؤولية والتوازن بين الرجال والنساء.
إن التنشئة الأسرية الصحيحة هي أحد العوامل التي تساعد المرأة على عدم الخوف، كتعزيز ثقتها بنفسها، و الحب، والتعاون، و التقبل، و تعليمها كيفية التعامل مع الآخرين، إلى جانب غرس القيم و الأخلاق.
من الصعب على الإنسان أن يستطيع التغلب على مرارة بعض التجارب التي تمر به والصعوبة الأكبر حين تكون مرارة التجربة قد نتجت عن ظروف كانت نتيجتها المتوقعة عكس ما آلت إليه.
إلى هنا ونحن ما زلنا في طور الأسئلة المبدئية، التي تتناسب إلى حد ما مع ثقافتنا السائدة، ثقافتنا العامة. أما الأسئلة التي يطرحها المجتمع الليبرالي، فهي ما زالت أبعد من أحلام النساء العربيات.
فوجود المرأة في منطقة نفوذ الرجل يجعلها تابعة له. وهذا واقع حال المرأة العربية. وليس من الصعب أن نجد في خطاب المساواة والمشاركة إحساساً بالتفوق نابعاً من افتراض ضمني يحمله، الخطاب بمركزية الرجل، هذا ما يراه الدكتور نصر حامد أبو زيد. وهو عين الصواب. فهذا الإحساس بالتفوق لم يأت إلا بعد أن أقصيت المرأة ردحا من الزمن، اقصاء تاما. وعودتها إلى الحياة، وإلى مشاركة الرجل ستأخذ هي الأخرى وقتها الذي تستحقه. إذا تم الاشتغال على عودتها، وفتحت لها طرق المشاركة الفعالة.
مجلة قلم رصاص الثقافية