حمدي رضا فنان بصري مصري وقيِّم فني وناشط ثقافي ومصور فوتوغرافي، إلى جانب مسيرته الفنية، أسس بين الأعوام 2007- 2017 مساحة فنون وإقامة “آرت اللوا” في أرض اللواء الجيزة وهي منطقة عشوائية مكتظة بالسكان تقع بين منطقتين عشوائيتين في القاهرة، أمبابة وبولاق الدكرور، كانت هذه المساحة مخصصة للفنانين المحليين والدوليين، وقد ساهمت على مر السنين بتفعيل الحوار والتجربة بين الفنانين والمجتمع المحلي من خلال ربط السكان بالثقافة الأوسع للمدينة والعالم عن طريق الفن.
“القاهريّون” هو مشروع فوتوغرافي بالأبيض والأسود تأسس على المشاهدات التي بدأت منذ فترة طويلة، بداية من شرفة كلية الفنون في جامعة حلوان في التسعينات، ثم من شرفة بيته في أرض اللوا، حيث يرصد الحياة من خلال صور ملتقطة من منظور عين الطائر بعد مراقبة لحركة الشمس والظل ثم انتقاء الوقت المناسب للتصوير. ومع السنوات تحولت الصور إلى مجموعة مكونة من 62 صورة يمكن لها أن تصل إلى 80.
وبما أن حمدي يستمد معظم مواضيعه الفنية من بيئته الشعبية، فهو يصور الأناس البسطاء في لحظة من حياتهم اليومية حيث تتحدد خطوط ظلالهم على الأرض بشكل حاد وأكثر وضوحاً من حركة الشخصيات أنفسها التي تبدو مبتورة من الأعلى أو ناقصة في معظم الأحيان، وأحياناً أخرى تنقلب الصورة إلى نيغاتيف تبدو فيه الشخصيات أوضح ملامحاً من ظلالها المبتورة، وفي لقطات أخرى دون ظلال وكأن الشخص في الصورة كائن لا وجود له على الإطلاق على سطح هذه الأرض.
يثبّت حمدي الزمن في كل لقطة، فنشاهد مجموعة صور منفردة لراكبي الدراجات، أحدهم يحمل قفص الخبز الساخن على رأسه، ونبدأ بالتساؤل من أين اتى وإلى أين سيذهب؟ كيف يحافظ على توازنه وهو يحمل هذا الحمل الكبير؟ هل يحمل الأرغفة من الفرن ليوزعها على الدكاكين أم ليحملها إلى أسرته الكبيرة؟
في مجموعة “القاهريون” دائماً هناك تساؤل بخصوص لحظة الما قبل ولحظة الما بعد، من أين يأتي هذا الرجل على دراجته التي علقت بمؤخرها جرار الغاز أو بيدونات الحليب؟ كم عمره؟ ما اسمه؟ وماذا يعمل؟ فنحن لا نرى وجهه لنحدد العمر من ملامحه، بل ظله المرتسم على الأرضية الترابية غير المعبدة وكأن الإسفلت لا يعرف طريقاً إلى هذه العشوائيات.
تمرّ في صوره عربات تجرها بغال أو حمير متعبة تحت أعباء الأحمال الثقيلة من القمامة أو الخضار، حيوانات منكّسة الرؤوس في الواقع، لكن شامخة برؤوسها كظلال، تمر عربة أخرى محمّلة بالكرتون، مهنة لا يدركها البشر خارج العشوائيات ولكنها شائعة في الأحياء الشعبية حيث تعمل أسر كاملة بجمع الكرتون أو البلاستيك المُستهلك المرمي في القمامة ليعاودوا بيعه بالكيلوغرام فيعاد تصنيعه مرة أخرى.
أولاد على دراجاتهم أو يلعبون الكرة بأقدامهم المتسخة وأحذيتهم المهترئة، طفولة مسروقة في مكان حاول فيه حمدي جاهداً لعشر سنوات أن يعيد الأطفال إلى مساحتهم الطبيعية من ممارسة الطفولة في “آرت اللوا” ولكن يبدو دون جدوى مع توقف المشروع.
نساء بملاءاتهن مع أطفالهن أو أحفادهن، هناك من تحمل طبق طعام قد يكون لزوجها الذي يعمل في ورشة ما أو ربما لأخيها، وأخرى تنوء تحل حمل جرة غاز على رأسها، نادراً ما نرى وجوههن فاللقطة لا تسمح لنا بذلك بل الخيال الذي يدور في رؤوسنا فيرسم الملامح والألوان ليضيفها على صورة صنعها غيرنا.
عمال بناء مع معداتهم متجهين لبناء المزيد من العشوائيات والغرف المخالفة، وطفل يعمل في جمع القمامة يحمل بالكاد كيساً كبيراً يعادل حجمه، ثلاث نساء على حميرهن ترتدين ملابس تشبه ملابس النورِيات وأيضاً محملات بأكياس قمامة وكأن المنطقة كلها تحترف تلك المهنة، مهنة لم نفايات الطبقات الاجتماعية الأخرى، الأعلى مرتبة لتقتات طبقة كاملة مسحوقة من فضلات ومخلفات طبقة أخرى أكثر استهلاكية ومردوداً مادي في صور تفكك بنية ونظام اجتماعي كامل. علينا فقط أن نتقن القراءة بين سطور الصورة ونبتكر القصة الموازية التي قد تكون صحيحة في أجزاء كثيرة.
امرأة مسنة تدفع أمامها مُقعداً على كرسي متحرك، زوجها، ابنها، أم أخاها؟ هل ولد مقعداً أم أصابه مرض ما لم يستطع علاجه في المستشفيات الحكومية فبات على هذه الحال؟
تلميذات منصرفات من المدرسة أو ذاهبات إليها، ظلالهن هي من تشي لنا بالتوقيت، وأب في ملابس بسيطة يرافق ابنته إلى المدرسة ممسكاً بيدها الصغيرة، صاحب عربة فول بانتظار الزبائن وربما بانتظار أرغفة الخبز التي رأيناها في صورة أخرى يحملها راكب الدراجة الهوائية على رأسه في توازن مذهل، قطة تمر في أحد الكوادر فيتقاطع ظلها مع ظل الرجل الذي يسير في الاتجاه المعاكس، وصبي يحمل صينية قهوة إلى أحدهم.
لقطات مأخوذة وكأنها الهيئة التي يرى بها الله عباده من أعلى سماواته، فهل يراهم كما هم، أم يرى ظلالهم المبتورة إن وُجدت؟ وهل سيرعاهم لأنهم صنعه أم ينساهم؟
إضافة إلى التصوير الفوتوغرافي تضمن عمل رضا عدة وسائط بصرية، مثل الرسم والتركيب والأعمال الفنية التفاعلية ويعكس اهتمامه بتعزيز لغة الحوار الإبداعي وتطوير آليات التفاعل الفني محلياً وعالمياً.
في “القاهريون” الظل هو من يحكي الحكاية ويتكتم عليها حين اختفائه.
أقيم أول معرض لمجموعة “قاهريون” عام 2005 ضمن معرض جماع في القاهرة وفي عام 2006 في بينالي هافانا في كوبا حيث تحول “القاهريون” إلى 9 لوحات أو تسع حكايات مختلفة، وعرض بين 2008- 2009 في مدريد ضمن معرض جماعي عن التبادل الفني بين مصر وإسبانيا.
الآن يفكر حمدي بإعادة انتاج المشروع مجدداً إما بشكل طباعة أو تقديمه بوسائط مختلفة، فمن الممكن رسمه أو تحويله لكتاب مع نص موازي مستوحى من المجموعة أو على شكل خيارات فنية كثيرة أخرى.
مجلة قلم رصاص الثقافية