بعد أن تحول الكثير من الكتّاب إلى محللين سياسيين!! وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالهذر الإنشائي، رحت أبحث عن أصوات ما زالت تحتفظ بأناقة حضورها، وما زالت تدوزن أوتار حبالها الصوتية، قبل أن تعزف لحن الحياة. التقيت بالكثير من هواة الغناء، ومحترفيه، ولم يعلق بذاكرتي منهم سوى أسماء قليلة!! أقربهم إلى نفسي كان سامر أحمد. رأيته في إحدى الحفلات يحتضن عوده بأناقة المحب، ويغني، وكأنه بين الوردة وعطرها. فسألته
آنذاك، كيف تختار الأغنية التي تغنيها؟ فأجابني: أفكر طويلا، وأستعرض ما في ذاكرتي من أغنيات، أجردهن ببالي، وأعدهن كما يعدّ الأطفال الغيوم، وحين تحتل غيمة واحدة سماء ذاكرتي، تلك الغيمة هي الأغنية التي أبدأ بها الحفلة. آنذاك أشعر بها وكأنها وتر سابع بين أوتار العود. بتلك الطريقة يرفع سامر الستار المسبل بينه وبين الجمهور. يباغت المستمع بالأغنيات المفخخة كلماتها بالمعاني العاطفية، فالأغنية قبل أن تكون أغنية هي قصيدة، وما الشعر إن لم يحمل العواطف ؟! أو بالأصح نستطيع القول أن سامر أحمد لا يختار من تلك القصائد سوى القصائد المحملة بالعواطف النبيلة. فتكون الأغنية هي الثابت، ويذهب خيال الجمهور إلى أبعد مدى ممكن من المتخيل، سواء كان هذا المتخيل ذكريات أو وقائع أو أحداث. ويصبح لون الحب أخضرا. ولا عجب، فسامر هو الابن الشرعي لزرقة البحر، وخضرة الغابات. لذلك كان من الممكن أن نطلق على ألبوم سامر الغنائي اسم (وطن بلا أسئلة)، لقد تعبنا من الأسئلة، كل السوريين تعبوا من الأسئلة، وصار من حقنا أن نلوذ بالفن، ونحتمي من برد هذا الوطن الذي تتناهبه الخرائط.
سامر من مواليد 1978/ بعد أن أنهى دراسته الجامعية، درس العود على يد محمود العجان، وغياث محمود، والمرحوم منيف منون. ومن ثم تفرغ للفن. سألته عن أهم الحفلات التي أحياها، فلم يقل شيئا عن حفلته بدار الأوبرا، ولم يأت على ذكر حفلة دبي، أو حفلة ماليزيا التي هي آخر حفلاته الخارجية. بل قال: دعيت يوم الثلاثاء الماضي إلى أمسية غنائية في كافيتريا” ورق عتيق”. حضر تلك الأمسية مجموعة من الشباب والصبايا، تشاركنا الغناء كأصدقاء حميمين. وأستطرد قائلا: لا يهم عدد الحضور يا صديقي، ولا الأبهة، ولا المسرح أو نوع جهاز الصوت، ولا شباك التذاكر، كلها تنسى. المهم أن تجد نفسك. وأنا أجد نفسي بين الأصدقاء أكثر مما أجدها بين الجمهور. فتذكرت اللقاء الذي جمعني بالمطربة اللبنانية الكبيرة سمية بعلبكي. كنت برفقة الشاعرة اللبنانية لوركا سبيتي، وذهبنا للقاء سمية في بيتها. كانت المرة الأولى التي ألتقيها وجها لوجه. فنانة جميلة بكل معنى الكلمة، أنيقة الحضور بطريقة ملفتة. ذات صوت مثقف، وكأنها خلقت لتغني. فقلت له لقد ذكرتني بالفنانة الكبيرة سمية بعلبكي، فابتسم تلك الابتسامة الخجولة، وقال: هذا يسعدني.