الرئيسية » نصـوص » أعلّق جسدي..
"غرفة نوم آرل" (فان جوخ)

أعلّق جسدي..

لا أستطيع إخراج الخزانة القديمة
من غرفة النوم.
تريّم كفراشة خشبية لطيفة،
غير أنها تستعصي على الخروج.
يحاول شاعر ما الفكاهةَ الأدبية،
فيعلن على رؤوس ملابسي الداخلية،
أن الخزانة محشوة بالأحلام،
وأنها ثقيلة جداً،
مثل سبعة حيتان.
لكل حوت رأس مدينة ثملة،
وجسد شعوب مقهورة.
أفسدُ نكتة الشاعر،
وأعلمه بإفلاسي من الأحلام.
وأؤكد له أن أكياس البلاستيك السبعة في الخزانة،
مخصصة لوضع النهايات العصبية للوعي،
الذي فقد الاحساس بجدوى الخزانة.
ما جدوى الخزانة في غرفة النوم فعلاً؟
إخفاء سيارات الإسعاف المترددة على المكان،
تفقيس بيوض الوحدة،
وكتم أنفاس القطارات التي تدمن
السفر بين حومة جندل ، وقمر تيتان،
ناقلةً صناديق المعنى الفارغة!
يحاول روائيٌّ الفكاهةَ أيضاً،
فيخبر أن الخزانة ثلاجة لحفظ
طبخات السرد العربي،
فأفسد النكتة عليه
وأعلمه بفساد طبخة سيرة جبر من المهد إلى القبر
وأرجوه أن يذهب مع الأصدقاء
لشراء محفزات الفص الجبهي
وصفة الرسل القديمة
ربما يستطيعون محادثة خزانتي
واستنطاق أخشابها الرطبة.
ما جدوى الخزانة فعلاً؟
وهي تتكلم بضمائر الآخرين،
وتحثّني على قبول الوجود،
المفروض بسبب علل الجسد والروح.
إن كانت حاجتي هي التخلص منها،
فلماذا لا تزول حاجتي
بزوال إمكانية تحقيقها؟
وما الفرق بين الخزانة ذاتها
وهذه الحياة إذاً؟

****

أعلّق جسدي بعلاقة خشبية أنيقة
أضعه بين القميص الأحمر المخطّط
والجاكيت الكحلي،
وأؤجل لبسه
حتى يحين موعد الخروج إلى الشرانق.
أرتدي كل صباح نوماً جديداً،
أتناول حبة مضاد حساسية،
فرائحة الأخشاب الرطبة،
تثير بي شهوة حكِّ
يانصيب (الصناديق القادمة المغلقة)
وقد كانت أشجاراً ، ومقاعد دراسة
وكراسي انتظار، وخزانة ثياب أيضاً.

****

لا أملُّ من إدخال الموت عبر النافذة
زوجتي تفتح نافذتها البعيدة للحب.
هكذا…
ربما يستحدث تيار هواء قوي
يحمل روائح الحياة الجديدة
أو العدم..

مجلة قلم رصاص الثقافية

عن د. حسان الجودي

د. حسان الجودي
شاعر وكاتب سوري، حاصل على إجازة في الهندسة المدنية من جامعة دمشق, ودكتوراه في الهندسة المدنية من جامعات بولونيا. عمل مدرساً في قسم الهندسة المائية، بكلية الهندسة المدنية - جامعة البعث. حاصل على جائزة سعاد الصباح للإبداع الشعري عام 1994 عن مجموعته مرايا الغدير.

شاهد أيضاً

زخة هايكو

حسني التهامي | مصر قطارُ السابعة على ذاتِ الرصيف صِبْيةٌ يُكملون أحلامَهمْ … في أوجّ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *